الجمعة، 22 ديسمبر 2017


هو الإمام، الحافظ، الثبت، ذو الفنون، العلامة الوزير قاضي الجماعة بقرطبة، أبو مطرّف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فُطَيس ـ لقب له واسم في ولد له ـ بن أصبَغْ بن فطيس بن سليمان، القرطبي المالكي.

ولد سنة ثمانٍ وأربعين وثلاث مائة بقرطبة وبها نشأ، وترعرع، وفي الغالب أخذ المبادئ الأولية في التعلم والقراءة والكتابة بقرطبة، إذ لم تشر مصادر ترجمته إلى ذلك، لكنها أشارت إلى سماعه وروايته عن كثير من شيوخ عصره من الأندلس والقادمين إليها، وممن روى عنهم: الفقيه أبو عيسى الليثي (ت367 هـ) ، والحافظ الكبير أبو زكرياء بن عائذ الأندلسي (ت376 هـ)، والمقرئ المفسر أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي (ت377هـ) ، و الشيخُ المحدِّث الإمام الرّحَّال أحمد بن عون الله الأندلسي (ت378 هـ)، والحافظ، محدث الأندلس أبو محمد ابن الباجي الأندلسي(378هـ)، وأبو عبد الله بن مفرج القرطبي القاضي(ت380 هـ)، محدث الأندلس، والإمام الحافظ المجوّد أبو محمد عبد الله بن القاسم القلعي(ت383 هـ)، والمحدث الفقيه أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي(ت392هـ)، والحافظ أبو القاسم خلف بن القاسم الأندلسي(ت393هـ) ، قال ابن بشكوال في الصلة: «سمع الحديث منهم وكتبه عنهم، وتكرر عليهم، ووالى الاختلاف إليهم».

وكانت بينه وبين علماء من مكة وبغداد ومصر والقيروان مكاتبات، فمن المشرق كتب إليه: أبو يعقوب بن الدخيل، ومن مصر أبو الحسن ابن رشيق، وأبو القاسم الجوهري، ومن بغداد: أبو الطيب أحمد بن سليمان الحريري، وأبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، وأبو بكر الأبهري، ومن القيروان: أبو محمد بن أبي زيد الفقيه، وأبو أحمد بن نصر الداودي.

كان القاضي ابن فطيس من كبار المحدثين وصدور العلماء المسندين، حافظاً للحديث متقناً لعلومه، جمع من الكتب في أنواع العلم ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس، وله مشاركة في سائر العلوم، إلا أنه برع في الحديث دراية ورواية، إذ كان له مجلس يملي فيه الحديث من حفظه، وستة وراقين يكتبون عنه ما يمليه في المسجد، كما كان مولعا بابتياع الكتب واستنساخها، ولما توفي اجتمع أهل قرطبة لبيع كتبه فأقاموا في بيعها مدة عام كامل في المسجد.

تقلد قضاء الجماعة سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وخُطبَة الجمعة، وَهُوَ أحد الأعاظم من وزراء السُّلْطَان فِي أحد الْبيُوت المولوية الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا الشّرف أيام المظفر عبد الملك بن أبي عامر، وقلَّ ما اجْتمع ذَلِك لقاض قبله بالأندلس، ثم صرف عن القضاء وخطبة الجمعة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وقد اشتهر في أحكامه بالصلابة في الحق ونصرة المظلوم، قال أبو عمر ابن الحذاء: «كان من أبناء الدنيا فلما وليَ القضاء ترك زي الوزارة ولزم زياً أخضرا كزي الفقهاء».

حدث عنه كبار العلماء منهم أبو عمر بن عبد البر، وأبو عبد الله بن عائذ، والصاحبان وابن أبيض، وسراج القاضي، وأبو عمر بن سميق، وأبو عمر الطلمنكي، وحاتم بن محمد، وأبو عمر الحذاء، والخولاني، وأبو حفص الزهراوي وغيرهم.

خلّف القاضي ابن فطيس رحمه تراثا علميا زاخرا، في عدة فنون منها: كتابه «الناسخ والمنسوخ» و«أسباب النزول» و«القصص» و«المصابيح في فضائل الصحابة» و«فضائل التابعين» و«الإخوة من المحدثين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين» و«أعلام النبوة ودلالات الرسالة» و«كرامات الصالحين ومعجزاتهم»، و»مسند حديث محمد بن فطيس« و«مسند قاسم بن أصبغ العوالي» وغير ذلك من تواليفه.

جعله القاضي عياض «من مشاهير علماء القرطبيين وجلتهم وفضلائهم»، وقال في حقه ابن بشكوال: «من جهابذة المحدثين، وكبار العلماء والمسندين»، وقال أيضا الذهبي: «كان من جهابذة المحدثين، وكبار العلماء والحفاظ، عارفا بالرجال».
توفي القاضي ابن فطيس رحمه الله، أوائل الفتنة البربرية يوم الثلاثاء للنصف من ذي القعدة سنة اثنتين وأربع مائة، ودفن في اليوم المذكور بتربة سلفه على باب منازلهم وقرب مسجدهم، وصلى عليه ابنه أبو عبد الله محمد.

من إنجاز: ذ. محمد لحمادي
باحث بمركز الدراسات القرآنية

مصادر ترجمته:  ترتيب المدارك وتقريب المسالك (7/181ـ183)، والصلة في تاريخ أئمة الأندلس لابن بشكوال (ص: 298 ـ 300)، وبغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس (ص: 356) وطبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي الدمشقي (3/258 ـ 260)، وتاريخ الإسلام للذهبي (9/44) وتذكرة الحفاظ للذهبي (3/175) وسير أعلام النبلاء للذهبي (13/22) والوافي بالوفيات للصفدي (18/153) والمرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا لابن الحسن الجذامي (ص: 87).

الاثنين، 9 أكتوبر 2017

القراءات الحداثية للقرآن الكريم ومناهج نقد الكتاب المقدس: دراسة تحليلية نقدية


صدر كتاب «القراءات الحداثية للقرآن الكريم ومناهج نقد الكتاب المقدس: دراسة تحليلية»، للدكتور يوسف الكلاَّم، ـ أستاذ مقارنة الأديان في مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، عن مجلة البيان، 1434هـ، في 95 صفحة، والكتاب يتألف من مقدمة، ومدخل، وأربعة عناوين رئيسية، ثم خاتمة.

في المقدمة تحدث د. يوسف الكلام، عن دواعي الاشتغال بالموضوع، حيث ربطها بما يروج في الآونة الأخيرة، من دعاوى "أصحاب القراءات الجديدة" و"الحداثية للنص القرآني"، الذين يدّعون تقادم المناهج الإسلامية، وفي مقدمتها أصول التفسير وقواعده ..، وأفصح عن الأسئلة الكبرى التي سيجيب عنها البحث، من خلال إبراز طبيعة الكتاب المقدس وحقيقة جمعه وتدوينه وتقنينه ولغاته، ومقارنته بالقرآن الكريم على ضوء الإشكالات المثارة، مذيلا مقدمته بمحاور الكتاب.

وفي مدخل الكتاب حدّد المؤلف أهم الإشكالات العلمية المثارة من لدن أصحاب القراءات الحداثية للقرآن الكريم، بعد أن ساق جملة من أقوال المؤولة الجدد حول القرآن الكريم، والمتمثلة حسب زعمهم في بشرية القرآن، وأن الوحي الذي نزل على محمد صلى الله وعليه وسلم لم يكن وحيا بل مجرد حالة سيكولوجية كانت تنتابه من وقت لآخر، ودعوى تأخر تدوين القرآن عن عهد النبي صلى الله وسلم، ودعوى أن القرآن مدونة بشرية تحكمت فيها القوى السياسية الحاكمة، ودعوى أهمية تطبيق مناهج نقد الكتاب المقدس لفهم النص القرآني.

حول حركة نقد الكتاب المقدس وأصول الإشكالات المثارة عن القرآن

انطلق المؤلف من أولى الإشكالات المثارة حول الوحي عموما ووحي القرآن خصوصا، لينتهي بسؤال مفصلي؛ هل هذه الإشكالات فرضها البحث العلمي والموضوعي لنص القرآن، أم هي إشكالات فرضتها البحوث العلمية التي عرفها الكتاب المقدس ليتم إسقاطها على النص القرآني، وهذا ما حاول المؤلف الإجابة عنه في ثنايا محاور الكتاب، من خلال:

أولا: أصل دعوى بشرية القرآن

في البدء بين المؤلف المراحل التي قطعها الكتاب المقدس ليكون متاحا لجميع الأفراد بعد أن كان محتكرا من قبل "السلطة الدينية" الكنيسة، فقد ساعدت ترجمته وتعدد طبعاته في انتشاره، مما حدا باكتشاف الكثير من الاختلاف والتداخل والانقطاع أحيانا، مما كان لذلك دور في لجوء النقّاد المسيحيين إلى المناهج النقدية المطبقة على نصوص الإغريق وغيره، في محاولة لاكتشاف عواره.
ثم قدم الباحث مجموعة ممن نفوا أو شككوا في وحي الكتاب المقدس، من أحبار اليهود كـ "بابا بترا"، والكوهن A.COHEN والربي José والربي Siméon والربي HILLEL والربي Meir والفيلسوف باروخ سبينوزا، الذي سبقه أبراهام ابن عزرا، ثم أورد بعض الدراسات التي استدلّت على نفي وحي الكتاب المقدس، منها ما ذكره العالم المسيحي Jaen ASTRUC في كتابه: "فرضيات حول المصادر التي يبدو أن موسى اعتمد عليها في تأليف سفر التكوين"، حيث استبعد فرضية الوحي لأن موسى يتحدث في سفر التكوين كمؤرخ، من غير أن يذكر أن ما يرويه وحي أوحاه الله إليه([1])، وقسم المصادر التي اعتمدها موسى إلى "المصدر الإلوهيمي" و"المصدر اليهودي"، بالإضافة لأدلة أخرى قامت عليها دعوى أستروك.

وهذا بخلاف القرآن الكريم الذي تضمن في العديد من آياته الحجج الدالة على أن ما يرد فيه من الغيبيات وحي أوحاه الله لنبيه: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ سورة آل عمران، الآية: 44، وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ سورة هود، الآية: 49.

وقد حاول أصحاب القراءات الحداثية ـ منهم محمد أركون ـ أن يسلكوا نفس مسلك نقاد الغرب، في نقد الكتاب المقدس لتطبيق الأمر نفسه على سور القرآن، وهذه الدراسات النقدية المشككة، استدعت مراجعة مفهوم الوحي والنبوّة في الكتاب المقدس، فالوحي بحسبهم حالة نفسية سيكولوجية، ثم أطلق عليه فيما بعد مصطلح "إلهام"، والنبي لا يخرج عن أن يكون كاهنا أو ساحرا أو شاعرا، فالمفهوم إذا مغاير لما في القرآن الكريم، وهذا الفهم الخاطئ حول طبيعة الكتاب المقدس ومضمونه هو ما حاول أصحاب القراءات الحداثية إسقاطه على القرآن الكريم، من خلال استصحاب نتائج الدراسات التوراتية والإنجيلية  وتطبيقها على القرآن الكريم.

ثانيا: أصل دعوى تأخر تدوين القرآن عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المتلو غير المدون

بيَّن المؤلف بطلان دعوى أصحاب القراءات الحداثية للقرآن الكريم، في تأخّر تدوين القرآن عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المتلو غير المدوّن، من خلال الكشف عن أصول هذه الإشكالات الموجودة في مراحل تدوين الكتاب المقدس، بعهديه؛ القديم والجديد، فقد عرف مشكلات في مصدريته، وكاتبيه وزمن كتابته، بحسب ما توصل إليه نقاده كابن حزم مبكرا، ثم نقاد الغرب، أشهرهم سبينوزا ورشارد سيمون وجون أستروك وشارل جنيبير، إلى أنه عمل بشري قام به أحبار اليهود والمسيحيون معتمدين في ذلك على مصادر شفوية تناقلوها فيما بينهم، ولم يأخذه شكله النهائي إلا بعد قرون.

وهذا بخلاف القرآن الكريم الذي عُرفت مصدريته ولغته، وزمن كتابته وكتبته، فقد تكفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابته في اللحظة التي كان ينزل فيها الوحي، فكان حفظ القرآن مما تكفل به الحق سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ سورة الحجر، الآية: 9.

ثالثا: أصل دعوى أن القرآن مدونة بشرية

بيَّن المؤلف الإسقاط المنهجي المخل الذي ادّعاه أصحاب القراءات المعاصرة بأن القرآن الكريم مدوّنة بشرية، كما فعل عبد المجيد الشرفي، باستصحاب الحكم الذي توصلوا إليه على الكتاب المقدس، الذي عرف عملية شذ وجذب بين اليهود والمسيحيين، في قانونية بعض أسفاره، أي الاعتراف بها، من حيث الصحة والترتيب والعدد، وقد تساءل الباحث عن الكيفية التي تم بها تقنين بعض الكتب المقدسة ورفض البعض الآخر، والمعايير المتبعة في الانتقاء؟

فيجيب بأن المعيار الذي اتخذوه في عملية الانتقاء هو المصدرية الرسولية لهذه الكتب، فتقبل كل الكتب المعترف لها بهذه المصدرية، كالأناجيل الأربعة ورسائل بولس، وترفض كل التي تدعي لنفسها هذه المصدرية، ويشير الباحث إلى أن هذا المعيار لم يحترم تطبيقه في انتقاء جميع الكتب، حيث تم حذف بعض الأناجيل رغم نسبتها إلى الحواريين، وهذا ما أكده القس Jean MESLIER، في حين أن القرآن الكريم «تمت كتابته في عناية بعناية ودقة وحرص منذ العهد النبوي، فكانت هذه العملية من أخص خصوصيات القرآن إذ لم يعرف نص ديني من قبل مثل هذ الضبط والتدقيق»([2]).

وقد أثار المؤلف طعون المستشرقين في تواتر القراءات القرآنية واعتبارها إنتاجا بشريا، وأنه متعدد الروايات مثل الأناجيل، من خلال الاعتماد على روايات موضوعة وواهية لا ترقى إلى درجة الصحة، كقصة الغرانيق التي اشتملت عليها بعض الكتب التراثية.

مما حدا بمؤلف الكتاب إلى الرد على هذه الافتراءات من خلال توضيح نشأة القراءات القرآنية بعيدا عن الروايات المغلوطة، ليؤكد في الأخير أن التشكيك في القرآن من قبل أصحاب القراءات الحداثية نابع من تأثرهم بمناهج الغرب في نقد الكتب المقدسة.

رابعا: دعوى أهمية تطبيق مناهج نقد الكتاب المقدس لفهم النص القرآني

في هذا المحور تحدث د. يوسف كلام عن أهم المناهج التي طبّقت على الكتاب المقدس من قبيل المنهج الفيلولوجي والمنهج التاريخي، التي نادى بها أصحاب القراءات الحداثية، من أجل تجربتها على القرآن الكريم، متناسين أن القرآن الكريم  نفسه يقيم التحدي من أجل الإتيان بمثله أو اكتشاف تناقضه أو اختلافه، يقول الحق سبحانه: ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ سورة النساء، 82.

ومن خلال تطبيق المنهج الفيلولوجي والتاريخي على نص الكتاب المقدس، تبين للمؤلف أن الكتاب المقدس يعبتر مجالا خصبا لتطبيقهما عليه، بالإضافة إلى أن لغته الأصل مجهولة وترجماته متعددة، ومدونوه متعددون ومجهولو السيرة، وزمن تدوينه امتد قرونا طويلة، بخلاف القرآن الكريم الذي ينأى بنفسه على أن تطاله أيادي عابثة، أو أن يكون قد وقع فيه ما وقع للكتب المقدسة بعهديها القديم والجديد.

الخاتمة:

وفي الختام أبرز المؤلف أن دعوى تطبيق مناهج نقد الكتاب المقدس على القرآن، دعوى باطلة تدحضها الحجج العلمية، فضلا عن الاختلاف الحاصل بينهما من حيث سلامة اللغة التي تميز بها القرآن عن غيره من الكتب المقدسة، ودقة ضبط جمعه وتدوينه بعد وفاة نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.

فالقرآن انتقد التحريفات التي طالت الكتب التي سبقت وأقام في عدد من آياته زيغها عن الحقيقة، بفعل التدخل البشري في هذه النصوص عبر فترات من الزمن، إلى أن صارت شبه محرّفة، كما أن القرآن مفتوح لكل الناس من أجل قراءته وتدبره وفق الآليات والضوابط الصحيحة.

إنجاز: ذ.محمد لحمادي
باحث بمركز الدراسات القرآنية

أبو العباس المرسي المالكي (ت542هـ)

هو الشيخ الفقيه الإمام المقرئ الكبير، المفسر، النحوي العددي، أحمدُ بن عليِّ بن أحمدَ بن يحيى بن خَلَف بن أفلَحَ، بن رَزْقُون ـ بتقديم الراء، بن سَحْنون بن مَسْلَمةَ القيسي الباجي ثم الجزيري، أبو العبّاس المُرْسِيُّ المالكي.

أصله من باجة القيروان، وفيها نشأ وترعرع، وانتقل إلى الجزيرة الخضراء فاستقرّ بها، ومنها أخذ العلم في سن السابعة من عمره عن شيوخ بلده، ثم رحل في طلب العلم إلى بلنسية وشاطبة وقرطبة ومالقة وإشبيلية، فأخذ عن جمع غفير من العلماء، منهم: أبو الحسين يحيى بن إبراهيم ابن البياز، وأبي علي بن سكرة، وأبي داود بن نجاح، وأبي الحسن بن عبد الرحمن ابن الدوش، وأبي الحسن بن خلف العبسي، وأبي بكر خازم وأبي القاسم خلف بن إبراهيم ابن النخاس  وغيرهم. 

وتصدر للإقراء بالجزيرة الخضراء وأخذ الناس عنه، وولي القضاء ببكورة أركش مدة، فحمدت سيرته واشتدت وطأته على أهل الفساد ليصرف عن القضاء، فلازم الإقراء وإسماع الحديث بمسجد الرمانة من الجزيرة الخضراء، وقد كان قبل يقرئ بمسجدها الجامع وبمسجد الرايات منها. 

ممن روى عنه ابنه أبو الحسن، وابن عتيق بن مؤمن، وأبو بكر: عتيق بن مؤمن وابن خير الإشبيلي، وأبو إسحاق بن على بن يوسف الجذامي، وأبو حفص بن عذرة، وأبو الخليل مفرج بن سلمة، وأبو عبد الله: ابن عبد الملك بن النسرة وغيرهم.

قال في حقه ابن عبد الملك المراكشي: «كان مقرئا مفسرا محدثا فقيها مشاورا نحويا عدديا»، وقال الذهبي: «كان فقيها مشاوراً، حافظاً، محدثاً مفسراً، نحوياً».

وتوفي أبو العباس المرسي بالجزيرة الخضراء في شهر ذي الحجة، سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، حسب ما رجحه ابن الأبار.

مصادر ترجمته: التكملة لكتاب الصلة، لابن الأبار: (1/51ـ52) والذيل والتكملة لأبي عبد الله محمد بن محمد المراكشي: (1/471ـ472) معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي، لابن الأبار: (ص: 34ـ35) وتاريخ الإسلام للذهبي: (11/801) والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: (ص: 219) وطبقات المفسرين للسيوطي: (ص: 24).
                                                                        إعداد: ذ.محمد لحمادي
                                                                        باحث بمركز الدراسات القرآنية