الاثنين، 28 يوليو 2014

تدبير الشأن الديني في المغرب.. تحولات عميقة لترسيخ الثوابت الدينية


تدبير الشأن الديني في المغرب.. تحولات عميقة لترسيخ الثوابت الدينية 


emirmominin
 
 
على غرار العديد من الميادين الأخرى، يشهد الحقل الديني بالمملكة، بقيادة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحولات عميقة تصب جميعها في اتجاه ترسيخ الثوابت الدينية التي ارتضتها المملكة منذ قرون، والقائمة على العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني.

كما تؤكد المبادرات القوية والشجاعة التي اتخذها أمير المؤمنين للنهوض بمختلف مجالات الحقل الديني، على عزم جلالته القوي على تطوير التأطير الديني والتطوير المستمر للوظائف الدينية داخل المساجد وخارجها صيانة للعقيدة والمذهب وحفاظا على الهوية الروحية والوحدة الوطنية للأمة وقيمتها التاريخية والحضارية، وهو ما جعل النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني يحظى بالاهتمام على المستويين القاري والدولي.
هذا الاهتمام يتجلى بوضوح في استقبال المملكة، بأمر من أمير المؤمنين لعدد كبير من الأئمة من الدول الشقيقة التي أبدت رغبتها في التزود من معين التجربة المغربية في مجال تدبير الشأن الديني. وبالفعل فقد توافد على المغرب أئمة من مالي وغينيا وليبيا وتونس، ونيجيريا.... كي يتلقوا تكوينا دينيا يقوم على منهج الوسطية والاعتدال والتسامح والانفتاح على الآخر، ونبذ الغلو والتطرف.
ويدل الإقبال على تكوين أئمة بلدان إفريقية بالمغرب على نجاح المقاربة الشاملة التي اعتمدها في مجال محاربة التطرف والعنف، والتي تركز على نشر قيم الإسلام المعتدل والسمح.
وتعكس الطلبات المتزايدة لتكوين الأئمة المقدمة للمغرب وجاهة سياسته في مجال تدبير الشأن الديني التي وضع أسسها الكبرى أمير المؤمنين والتي تهم مختلف جوانب الحياة الدينية للأمة، سواء من خلال تجديد الأدوار التاريخية للمساجد أو في ميدان حفظ القرآن الكريم وتكوين الأئمة والمرشدين الدينيين أو في مجال تثمين دور المؤذنين والقيمين على المساجد.
جانب آخر من جوانب الرعاية السامية للشأن الديني، يتجلى في ترؤس جلالة الملك يوم 13 يونيو الماضي بالرباط، مراسيم تقديم "خطة دعم" التي تعنى بالتأطير الديني على الصعيد المحلي، والتي تشكل لبنة إضافية في مسار إصلاح الحقل الديني، الذي ما فتئ أمير المؤمنين يوليه عناية خاصة.
كما أنها تأتي تفعيلا للتوجيهات الملكية السديدة القاضية بتطوير المجال الديني وتحديثه، خاصة عبر تمكينه من الموارد البشرية المؤهلة والوسائل المادية الضرورية، والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة، وذلك في إطار الالتزام بثوابت الأمة.
وتروم هذه الخطة تحصين المساجد من أي استغلال، والرفع من مستوى التأهيل لخدمة قيم الدين، ومن ضمنها قيم المواطنة، وذلك في إطار مبادئ المذهب المالكي الذي ارتضاه المغاربة نهجا لهم.
كما تقوم على توسيع تأطير الشأن الديني على المستوى المحلي، بواسطة جهاز تأطيري يتكون من 1300 إمام مرشد، موزعين على جميع عمالات وأقاليم المملكة. ويتميز هؤلاء الأئمة المرشدون بكونهم حاصلين على شهادة الإجازة من الجامعة، ويحفظون القرآن الكريم كاملا، وتلقوا تكوينا شرعيا تكميليا وتكوينا مهنيا عماده الالتزام بثوابت الأمة.
كما أن الظهير الشريف المنظم لمهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، الذي صدر بتاريخ 20 ماي 2014، يعتبر انتقالا في مسار ضبط الشأن الديني بالمغرب.
ويندرج هذا الظهير في سياق مواصلة تنفيذ وتدبير الاستراتيجية المندمجة والشمولية لإعادة هيكلة الحقل الديني التي أعطى انطلاقتها أمير المؤمنين في خطابه السامي بالدار البيضاء سنة 2004، والتي يعتبر القيم الديني أحد أهم ركائزها.
وقد مر تنظيم مهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم عبر عدة مراحل مهمة شملت إنجاز الإحصاء العام للمساجد وللقيمين الدينيين الذي أظهر أن عدد مساجد المملكة يصل إلى 50 ألف مسجد فيما يقدر عدد القيمين الدينيين بحوالي 110 آلاف قيم ديني.
كما واكب ذلك إحداث برنامج لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وتمتيع الأئمة والخطباء والمؤذنين بمكافآت شهرية قارة، إضافة لواجب الشرط الذي يتقاضونه من المحسنين، والتأمين الصحي عن المرض الأساسي والتكميلي، وإعانات مالية بسبب العجز عن مواصلة أداء المهام أو بمناسبة عيد الأضحى، وتأهيل الأئمة في إطار خطة ميثاق العلماء، وإصدار قرار يتضمن مهام ومسؤولية الأئمة والخطباء.
ويشمل هذا الظهير التعريف بالقيمين الدينيين والمهام التي يضطلعون بها، ووضعيتهم القانونية، والتزاماتهم وحقوقهم، وكذا القواعد المطبقة على وضعيتهم، وآلية النظر في شكاياتهم وتظلماتهم.
وبمقتضى هذا الظهير والظهير الشريف المحدث لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، فإن القيمين الدينيين يوجدون تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، باعتباره أمير المؤمنين، الراعي لشؤونهم، والضامن لحقوقهم.
وتهم حقوق القيمين الدينيين المتعاقدين بالأساس الأجرة الشهرية والتعويضات المخولة للمتصرفين من الدرجة الثالثة (السلم 10)، والحق في الترقي طبق نفس المقتضيات السارية على هيئة المتصرفين (إلى السلم 11 وخارج السلم)، والحق في رخص إدارية ورخص لأسباب صحية.
ووفقا للظهير، يلتزم القيمون الدينيون بأصول المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وثوابت الأمة وما جرى به العمل بالمغرب، ومراعاة حرمة الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، وقيام القيم الديني شخصيا بالمهمة الموكولة إليه، وارتداء اللباس المغربي عند أدائها، واحترام المواقيت والضوابط الشرعية عند أدائها، وعدم القيام بأي عمل يتنافى مع طبيعة المهام الموكولة إليه.
ويتفرد المغرب في مجال تدبير الشأن الديني أيضا بمجالس الدروس الحسنية، التي تلقى في حضرة أمير المؤمنين وتستضيفها رحاب القصر الملكي خلال شهر رمضان من كل سنة، ويحضرها صفوة من العلماء الأجلاء من جميع بلدان العالم.
ويتناول هؤلاء العلماء، في هذه المحفل الديني ، بالدرس والتحليل آيات بينات من كتاب الله وأحاديث من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لإبراز مزايا الإسلام ومقاصده وحكمه وأحكامه. وتميزت الدروس الحسنية في عهد جلالة الملك محمد السادس بفتح صفحة جديدة غير مسبوقة في العالم الإسلامي، وذلك بأن أذن جلالته بأن تحاضر المرأة المغربية في هذه الدروس.
تدبير الحقل الديني هو أيضا رسالة إعلامية هادفة، تحمل لواءها إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، اللتان أحدثتا بمبادرة من أمير المؤمنين، وحققتا نجاحا وإشعاعا متميزين، وذلك قياسا على الإقبال الكبير ونسبة الاستماع والمشاهدة التي تعرفانها والتي تجاوزت حدود الوطن.
وما من شك في أن هذا التألق يرجع إلى رسالة التسامح والانفتاح، التي تحملها برامج الوعظ والإرشاد والتكوين التي تبثها هاتان الوسيلتان الإعلاميتان، والمستوحاة بالدرجة الأولى من القرآن الكريم والحديث الشريف، ومن الفهم العميق للدين الذي يتميز به المغرب.
وتتميز هذه البرامج، التي تذاع وتبث بالإضافة إلى العامية والعربية والأمازيغية، باللغتين الفرنسية والإنجليزية، بتخصيص حيز كبير منها لتلاوة القرآن الكريم وتفسيره، ودروس محو الأمية وفتح فضاءات للنقاش مع العلماء والمختصين حول عدد من القضايا. هي إذن مبادرات وأوراش إصلاحية يشهدها الحقل الديني بالمملكة، تشهد على أن هذا الحقل يشكل ركنا أساسيا ضمن المشروع المجتمعي لجلالة الملك، الذي أكد في الخطاب الملكي المنظم للمجلس العلمي الأعلى (أبريل 2004) أن التزام جلالته دينيا بالوحدة المذهبية للأمة، لا يوازيه إلا التزام جلالته دستوريا بالوحدة الترابية الوطنية.

عن وكالة المغرب العربي للأنباء

الجمعة، 11 يوليو 2014

الدكتور أحمد عبادي يحاضر في موضوع: «صناعة الإنسان في منظومة الوحي» بأبوظبي.

الدكتور أحمد عبادي يحاضر في موضوع: «صناعة الإنسان في منظومة الوحي» بأبوظبي.

ألقى الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء/ المملكة المغربية، محاضرة بعنوان «صناعة الإنسان في منظومة الوحي«، بحضور أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك في إطار برنامج المحاضرات والأمسيات الفكرية الرمضانية التي ينظمها مجلس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقصر البطين بأبوظبي.

وحضر المحاضرة أيضا الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، والفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، و الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، والشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، والشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، والشيخ عمر بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، والشيخ خالد بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس إدارة طيران الاتحاد، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، والدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الديار المصرية، وعدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي لدى الدولة.

محاور المحاضرة

تناول د. أحمد عبادي ستة محاور رئيسية في محاضرته وهي:
الله عز وجل خالق فريد والإنسان خلق متفرد والإنسان كائن مسؤول عن إدخال هاديات الوحي بالكدح والمكابدة إلى مجال البشرية بخلاف الكائنات الأخرى وبسط للكفايات الكبرى التي تمكن الإنسان من الاضطلاع بمهام الاستخلاف والخلق السوي والإدراك والعلم والوحي والكون ومنظومة الأخلاق الوظيفية والرحمة وسائر الأخلاق الحاكمة وصناعة الإنسان الفرد وصناعة الإنسان الجماعة في سباقنا المعولم الراهن.

وقال أحمد عبادي إن العالم يعيش حالة «خلف» ونحن نقول للعالم إن الدين الإسلامي يدعو للتي هي أقوم ولكن حين ينظر إلينا العالم حالياً لا يرانا معانقين للتي هي أقوم وهذا «الخلف» يجعلنا في حاجة إلى أنموذج ليعيدنا إلى الطريق الصحيح.
وأكد أن الإمارات من البلدان المباركة المرشحة والمؤهلة لإزالة حالة «الخلف» التي يعاني منها العالم الإسلامي، وأن يصبح من الممكن رصد حالة فيها تجليات بأن القرآن الكريم يهدي فعلاً للتي هي أقوم وهذا مجال يمكن أن يرفع ويزيل حالة «الخلف».


وبدأ الدكتور عبادي محاضرته بالترحم على المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأجزل الله مثوبته على هذا الصرح المبارك الذي أقامه فأهله لأن يكون وحدة قياسية فيها ملامح الطمأنينة والاستقرار في منطقة باتت تشهد قدراً كبيراً من الاضطراب في عالم اليوم.
وقال لصاحب المجلس: نسأل الله أن يدعمكم بمدد من عنده ويقوي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة »حفظه الله«، وأصحاب السمو والمعالي كل في الموطن والثغرة التي يقف فيها في هذا الواقع الذي يحتاج إلى تسخير وثني الركب وتقويس الظهور.

الكتابان المنظور والمسطور
أوضح عبادي في هذا المستوى أن الإنسان مكن من مرجعين كبيرين أولهما الكتاب المنظور وهو الكون وفيه آيات والمرجع الثاني كتاب الله المسطور.
وأشار إلى أن هاتين القراءتين تٌمكننا من أمرين خطيرين الأول وهو الاهتداء إلى القدرة على الحركة وهي قراءة الكتاب المنظور والقراءة في الكتاب المسطور تُمكنا من استنباط الوجهة نحو القبلة لكي تضاف إلى الحركة فتصبح الحركة متوجهة إلى الله.
وأضاف أن الله سبحانه وتعالى لم يترك سر صناعة الإنسان في الجانب الإرشادي فقط ولكن جلاها في الجانب العلمي والتطبيق فأشخص لنا الأنبياء وخاتم الأنبياء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليكون هو الوحدة القياسية في المجال البشري لأن هؤلاء الذين يريدون أن يضطلعوا بوظيفة الصناعة لهم مرجع ووحدة قياسية.
وأوضح أنه حين يفتقر الإنسان إلى حالة السواء في المجال البشري يكون هناك مشكلة ولذلك من لطف الله تعالى أن لها هذه الوحدة القياسية للبشر.


أفعال العباد
وذكر أن صناعة الإنسان يبرز فيها جانبان رئيسان الأول هو الخط التصوري وفيه شبكة تصورات تستخلص من كتاب الله تعالى ويكون مفهوم الخلافة شاخصاً للناس حاضراً بينهم، والجانب الثاني وهو القيم والمعايير التي تعاير عليها أفعال العباد وهي في غاية الأهمية وحين لا تكون بارزة في سلك الإنسان أفراداً وجماعات يمكن أن يذهب يمنياً ويساراً.
وذكر العبادي أن هناك جانباً ثالثاً وهي الشرائع والتنظيمات وهي في غاية الأهمية ولا بد من التنشئة ليكون الإنسان قادراً على احترام هذه التشريعات والتنظيمات، مشيراً إلى أنه يأتي بعد ذلك السلوك والتصرفات وهي أمور تضبط بشكل بين.

واقع معيق
وأشار إلى أن واقعنا الجاري معيق والمؤسسات التي كانت حارسة على صناعة الإنسان أصيبت بحالة من الارتجاج وأبرز هذه المؤسسات، بالإضافة إلى مؤسسة الحكم هي مؤسسة العلماء التي عانت من جملة من التنمرات من قوم رفعوا لواء الصفاء والعودة إلى جوهر النص بطريقة مباشرة دون العودة إلى العلماء، والتنمر الثاني من الإصلاحيين الذي بدأ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في الاستانة والتي تشكك في قيمة الوحي الذي يمكن من صناعة الإنسان، والتنمر الثالث ظهور جماعات أصوات تشير إلى أن مؤسسات العلماء حليفة للبلاطات والحكام ولا تتحمل مسؤولياتها في مجال التأطير للناس وهذه الأمور تحتاج إلى إعادة الاعتبار إلى هذه المؤسسة الحارسة التي تشكل إلى جانب الحكام ليكونوا قادرين على تأطير هذه الحشود المؤهلة للتحصيل.
وقال إن المطلوب الآن نحت وصوغ تجمع بشري يصبح كالجسد الواحد كالبنيان يشد بعضه بعضا ويصبح لديه القدرة لرد الأمور الضارة وهي النهي والنفي عن المنكر، ولا ينبغي السير فيه مطلقاً ويصبح عنده نوعاً من التحول عندما يدخل ضمن الأمة وهذا الجسد يرده.
وقال إن هذا المثال والنموذج يحتاج إلى نوع من الكدح لكي ننتقل من حالة الشتات إلى حالة الأمة والجسد الذي يكون أداؤه مجتمعاً.